مراسلون

عار فرنسا في الجنوب الجزائري

تحل الذكرى 64 للتفجيرات النووية التي أجرتها السلطات الاستعمارية الفرنسية برقان جنوب الجزائر، وهي جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم بالنظر إلى الآثار الوخيمة التي خلفتها هذه التفجيرات على البشر، الشجر و الحجر ولازالت قائمة الى يومنا هذا.

الجريمة البشعة التي حدثت ذات يوم 13 فيفري من عام 1960 ، جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، القنبلة الذرية التي استخدمت أو ما يسمى “باليربوع الأزرق”، تعد واحدة من اكبر القنابل النووية على الإطلاق ، بالنظر إلى حجم الخسائر التي خلفتها و تخلفها إلى غاية اليوم سواء على الإنسان أو على البيئة، حيث تبلغ 70 كيلو طن وبالتالي هي أكبر من القنابل التي استخدمت في “نكازاكي و هيروشيما” و التي بلغ حجمها ما بين 15 و 20 كيلو طن ،و حسب عدد من الباحثين، فإن فرنسا كانت ترغب في الدخول في النادي النووي بقوة ما جعلها تحضر قنبلة اكبر من كل القنابل التي استخدمت من قبل أعضاء النادي النووي كالولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفياتي ،و قد امتد تأثير هذه القنابل إلى الكثير من الدول الإفريقية و العربية ، علما أن القانون الدولي في المجال صنف كل شخص يقطن على بعد 700 كلم انه معني بإسقاطات الإشعاعات النووية و بالتالي معني بالتعويض .

هذا الملف الذي يندرج في ملف الذاكرة، يرهن مستقبل العلاقات الثنائية الجزائرية-الفرنسية ويؤجل أي مسعى لتوسيع مجالات التعاون انطلاقا من قاعدة صلبة أساسها الثقة.

وبالرغم من طرح قضية التفجيرات النووية على طاولة الحوار خلال الدورة التاسعة من المشاورات السياسة الجزائرية-الفرنسية التي جرت أشغالها في يناير 2023 بالجزائر العاصمة، إلا أن هذه المسألة تبقى -حسب تصريحات إعلامية سابقة لوزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف،- من بين خمسة ملفات ترهن مساعي تطوير العلاقات الثنائية.

وكان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد أكد في تصريح سابق للصحافة، أن الجزائريين “ينتظرون اعترافا كاملا بكل الجرائم التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية”، وشدد بخصوص التفجيرات النووية، على ضرورة قيام فرنسا “بتنظيف المواقع النووية ومعالجة ضحايا التجارب النووية”.

وقد تمت مناقشة هذه المسألة من بين عدة محاور أخرى تضمنها “إعلان الجزائر” الذي وقع عليه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مع نظيره الفرنسي، شهر اوت 2022 ،ونص على إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين تكون مسؤولة عن معالجة جميع القضايا بما فيها تلك المتعلقة بالتفجيرات النووية، كما اتفق الطرفان على تشجيع “قراءة موضوعية وصادقة لجزء من تاريخهما المشترك”.

غير أن الواقع يكذب صدق النوايا في معالجة هذه القضية، حيث لم يتمكن إلى غاية اليوم، إلا جزائري واحد مقيم بالجزائر، من الاستفادة من التعويض من قبل السلطات الفرنسية، باعتباره ضحية لهذه التفجيرات .

 وفي إطار تسريع الدولة الجزائرية للإجراءات الهادفة إلى تدارك المخاطر التي تمثلها مخلفات التفجيرات النووية، تم إنشاء الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتفجيرات النووية سنة 2021، حيث أن النشاط الإشعاعي البيئي في المناطق التي شهدت هذه الجريمة يبقى مرتفعا بسبب استمرار مخلفات الإشعاعات.

ويؤكد المؤرخون أن فرنسا الاستعمارية قامت خلال الفترة الممتدة بين 1960 و1966 ب57 تجربة نووية وانفجارات شملت 4 تفجيرات جوية في منطقة رقان و13 تفجيرا تحت الأرض في عين إيكر، بالإضافة إلى 35 تفجيرا إضافي في الحمودية و5 تفجيرات على البلوتونيوم في منطقة بعين إيكر الواقعة على بعد 30 كيلومترا من الجبل حيث أجريت التفجيرات تحت الأرض.

ويعاني سكان هذه المناطق من مخلفات التفجيرات، حيث يتم تسجيل سنويا عدة حالات سرطان وتشوهات عند حديثي الولادة وإعاقة وعقم واضطرابات نفسية مزمنة، إلى جانب الأضرار الكبيرة التي تهدد السلامة البيئية والإقليمية.

 

 

نحو إنشاء مخبر وطني للبحث في تفجيرات “رقان “

 

و بالمقابل يعكف مختصون في القانون و مؤرخون و باحثون في الهندسة النووية على إنشاء مخبر وطني للبحث في جريمة” رقان”، و ذلك من اجل جمع الأدلة أو البيانات الكافية التي تمكن الجزائر من رفع قضية في محكمة الجنايات الدولية ضد فرنسا، حيث يسعى هؤلاء إلى تصنيفها كجريمة ضد الإنسانية حتى تستفيد الجزائر من تعويضات مالية.

وقالت المحامية بن براهم فاطمة الزهراء في تصريح سابق، أنها تعكف رفقة مؤرخين مختصين في الهندسة النووية على إيصال ملف جريمة رقان إلى المحكمة الجنائية الدولية، ويعملون حاليا على جمع البيانات والأدلة الكافية حتى يتم تصنيف هذه الجريمة كجريمة دولة ضد الإنسانية وبالتالي منح التعويضات اللازمة للجزائر ولضحايا هذه التفجيرات النووية خاصة بجنوبنا الكبير.

 وحسب ما أكدته -المحامية- فإن الجزائر بحاجة إلى مخبر بحث وطني يجمع المختصين و المعنيين بهذه القضية على كافة المستويات و حتى يتم توحيد الجهود و إيصال رغبة الجزائر في محاسبة فرنسا على هذه الجرائم البشعة ، وأضافت -المتحدثة- أن الملف هذا يكافح من اجله أشخاص فقط بعينهم و حتى الدعوات التي تصل من الخارج للمشاركة في الملتقيات الخاصة بهذه الجريمة تصل باسم هؤلاء الأشخاص و ليس باسم الجزائر ، و هو ما اعتبرته تقزيم لأهمية هذا الملف الحساس.

من جهة أخرى طالبت بن براهم المجتمع المدني في الصحراء الجزائرية بالتحرك من أجل إحصاء الأضرار التي خلفتها هذه التفجيرات، وجمع العينات التي تمكن من تدعيم الدلائل التي ستقدم لاحقا في المحكمة الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى